فصل: الباب الثاني: الوصية، وفيه مسألتان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة



.الباب الثالث والعشرون: الهبة، والعطية:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: معناها وأدلتها:

1- معناها: الهبة هي التبرع من جائز التصرف في حياته لغيره، بمال معلوم أو غيره، بلا عوض.
2- حكمها وأدلتها: والهبة مستحبة إذا قصد بها وجه الله، كالهبة لصالح، أو فقير، أو صلة رحم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «تهادوا تحابوا». وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل الهدية ويثيب عليها». وتكره إن كانت رياءً وسمعة ومباهاة.

.المسألة الثانية: شروط الهبة:

ويتعلق بالهبة الأحكام الآتية:
1- أن تكون من جائز التصرف، وهو الحر المكلف الرشيد.
2- أن يكون الواهب مختاراً، فلا تصح من المكره.
3- أن يكون الموهوب مما يصح بيعه، فما لا يصح بيعه لا تصح هبته، مثل: الخمر، والخنزير.
4- أن يقبل الموهوب له الشيء الموهوب، لأن الهبة عقد تمليك فافتقر إلى الإيجاب والقبول.
5- أن تكون الهبة حالَّة منجزة، فلا تصح الهبة المؤقتة، مثل: وهبتك هذا شهراً أو سنة؛ لأن الهبة عقد تمليك، فلا تصح مؤقتة.
6- أن تكون بغير عوض، لأنها تبرع محض.

.المسألة الثالثة: بعض الأحكام المتعلقة بها:

ويتعلق بالهبة الأحكام الآتية:
1- تلزم الهبة إذا قبضها الموهوب له بإذن الواهب، وليس للواهب الرجوع فيها لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه». إلا إذا كان أباً، فإن له الرجوع فيما وهبه لابنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده».
2- يجب على الأب المساواة بين أبنائه في الهبة، فلو خصَّ بعضهم بها، أو فاضل بينهم في العطاء دون رضاهم لم يصح ذلك، وإن رضوا صحت الهبة؛ وذلك لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: أنَّ أباه تصدق عليه ببعض ماله، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أكلَّ ولدك أعطيتَ مثله؟» قال: لا، قال: «فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم» وفي رواية: «لا تشهدني على جور».
3- إذا فاضل الأب في مرض موته بين أبنائه، أو خَصَّ أحدهم بعطية دون الآخرين، لم يصح إلا إذا أجاز ذلك بقية الورثة.
4- تصح الهبة المعلقة، كأن يقول: إذا قدم المسافر، أو نزل المطر، وهبتك كذا.
5- تصح هبة الدين لمن هو في ذمته، ويعتبر ذلك إبراء له.
6- لا ينبغي ردُّ الهبة والهدية، وإن قَلَّتْ، وتسنُّ الإثابة عليها؛ لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل الهدية، ويثيب عليها».

.ثامناً: كتاب المواريث والوصايا والعتق:

ويشتمل على أربعة أبواب:

.الباب الأول: تصرفات المريض:

الإنسان إذا كان صحيحاً ومعافى فإنه يتصرف في ماله بكل حرية، ولكن بحدود ما جاء به الشرع.
أما إذا كان مريضاً، فلا يخلو المرض أن يكون غير مخوف، بمعنى أنه لا يخاف أن يموت بسببه كوجع الضرس والأصبع والصداع وآلام الجسم التي لا تؤثر، ويمكن شفاؤها وبرؤها، فهذا المريض يكون تصرفه لازماً كتصرف الصحيح، فتصح عطيته، وهبته، من جميع ماله، وإنْ تطور إلى مرض مخوف ومات بسببه، فالعبرة بحاله عند العطية والهبة، وهو في هذه الحال في حكم الصحيح.
أما إذا كان المرض مخوفاً، بأن يتوقع منه الموت كالأمراض الخبيثة والمستعصية، فإن تبرعاته في هذه الحال تنفذ من ثلثه لا من رأس المال، فإن كانت في حدود الثلث فما دون نفذت. وإن زادت على ذلك فإنها لا تنفذ إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت. لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم». فدل الحديث وما ورد بمعناه على أنه يجوز التصرف للمريض مرض الموت في ثلث المال؛ لأنَّ عطيته من رأس المال تضر بالورثة، فردت إلى الثلث كالوصية.
أما إذا كان المرض مزمناً، ولكنه غير مخوف، ولم يلزمه الفراش، كمرض السكر وغيره، ففي هذه الحال تصبح تبرعاته من جميع ماله كتبرعات الصحيح؛ لأنه لا يخاف منه تعجيل الموت، كالشيخ الكبير.
أما إذا ألزمه الفراش، فلا تصح تبرعاته ولا وصاياه إلا في حدود الثلث لغير الوارث؛ لأنه مريض ملازم لفراشه يخشى عليه من الموت، فلا تعتبر تصرفاته وتبرعاته في هذه الحال كالمريض مرض الموت.

.الباب الثاني: الوصية، وفيه مسألتان:

.المسألة الأولى: معناها وأدلة مشروعيتها:

1- تعريفها: الوصية لغة: معناها العهد إلى الغير، أو الأمر.
وشرعاً: هبة الإنسان غيره عيناً، أو ديناً، أو منفعة، على أن يملك الموصى له الهبة بعد موت الموصي.
وقد تشمل الوصية ما هو أعم من ذلك، فتكون بمعنى: الأمر بالتصرف بعد الموت- كما عرفها بعضهم بذلك- فتشمل الوصية لشخص بغسله، أو الصلاة عليه إماماً، أو دفع شيء من ماله لجهة.
2- أدلة مشروعيتها: وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180].
ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما حق امرئ مسلم، يبيت ليلتين، وله شيء يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه». وقد أجمع العلماء على جوازها.

.المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة بها:

ويتعلق بالوصية الأحكام الآتية:
1- يجب على المسلم أن يُدَوِّن ما له وما عليه من الحقوق في وصيةٍ يبين فيها ذلك؛ لحديث ابن عمر السابق.
2- تستحب الوصية بشيء من المال، يُصرف في طرق البر والخير والإحسان؛ ليصل إليه ثوابه بعد موته، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنَّ الله تصدَّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم، ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم».
3- جواز الوصية بالثلث فأقل، أما جواز الثلث: فلحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرض موته: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا»، قلت: فبالشطر؟ قال: «لا». قلت: فبالثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير». وأما استحباب أقل من الثلث: فلقول ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الثلث، والثلث كثير».
4- أن الوصية لا تصح بأكثر من ثلث ما يملك لمن له وارث؛ لحديث سعد ابن أبي وقاص المتقدم، إلا إذا أجاز الورثة ذلك. أما إذا لم يكن له وارث فتصح بالمال كله.
5- لا تصح الوصية لأحد من الورثة؛ لما روى أبو أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: «إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقَّه، فلا وصية لوارث».
6- تحرم الوصية بأمر فيه معصية؛ لأنها شُرِعت لزيادة حسنات الموصي، كما مضى في حديث أبي الدرداء.
7- أن الدَّيْن والواجبات الشرعية كالزكاة والحج والكفارات مقدمة على الوصية لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، وقال عليٌّ رضي الله عنه: «قضى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدين قبل الوصية».
8- يشترط في الوصي أن يكون جائز التصرف في ماله، فيكون عاقلاً، بالغاً، حراً، مختاراً.
9- يحرم أن يوصِيَ لجهة معصية، كأن يوصي لمعابد الكفار، أو لشراء آلات اللهو أو نحو ذلك، وتكون وصية باطلة.
10- تستحب الوصية لمن له مال كثير ووارثه غير محتاج؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]، والخير هو المال الكثير، وتكره لمن ماله قليل ووارثه محتاج؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». وكثير من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماتوا، ولم يوصوا.
11- تحرم الوصية إذا كان قصد الموصي المضارة بالورثة؛ لقوله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12].
12- لا يصح قبول الوصية ولا ملكها إلا بعد موت الموصي؛ لأن ذلك وقت ثبوت حقه، هذا إذا كانت الوصية لمعين، أما إن كانت لغير معين، كالفقراء والمساكين، أو على طلبة العلم، أو المساجد، ودور الأيتام، فإنها لا تحتاج إلى قبول وتلزم بمجرد الموت.
13- يجوز للموصي أن يرجع في وصيته أو بعضها، وله نقضها. قال عمر رضي الله عنه: يغير الرجل ما شاء من وصيته.
14- تصح الوصية لكل شخص يصح تمليكه سواء أكان مسلماً أم كافراً. قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6].

.الباب الثالث: في العتق، والكتابة، والتدبير:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: في تعريف العتق، ومشروعيته، وفضله، وحكمة مشروعيته:

1- تعريف العتق:
العِتْق لغة: بكسر العين وسكون التاء: الحرية والخلوص، مشتق مِنْ قولهم: عَتَق الفرس، إذا سبق، وعتق الفرخ: طار واستقل وخلص.
وشرعاً: هو تحرير الرقبة وتخليصها من الرق، وإزالة الملك عنها، وتثبيت الحرية لها.
2- أدلة مشروعيته:
الأصل في مشروعية العتق: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]، وقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3].
وأما السنة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى فَرْجَه بفرجِهِ».
وأجمعت الأمة على صحة العتق، وحصول القربة به إلى الله تعالى.
3- فضله:
العتق من أفضل القربات وأجل الطاعات، لما جاء في فضل العتق من قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] يعني: تخليص الشخص من الرقِّ، وقد ورد ذلك في معرض بيان الطريق التي فيها النجاة والخير لمن سلكها؛ ألا وهي: عتق الرقاب. وتقدم معنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قبل قليل في فضل العتق، وعن أبي أمامة رضي الله عنه أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أيما امرئِ مسلم أعتق امرأ مسلماً كان فكاكه من النار...» الحديث. والنصوص في فضَل العتق كثيرة جداً.
وعتق الرجل أفضل من عتق المرأة، والرقبة الأغلى ثمناً والأنفس عند أهلها أفضل من غيرها.
4- الحكمة من مشروعيته:
شُرع العتق في الإسلام لغايات نبيلة، وحكم بليغة. فمن ذلك: أنه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وملك نفسه، وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه حسب إرادته واختياره.
ومنها: أن الله عز وجل جعله كفارة للقتل، والوطء في رمضان، والأيمان.